فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) ولو نشاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ولتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين تعالى إحاطة علمه بهم. أتبعه إحاطة قدرته فقال تعالى مسببًا عن خيانتهم وهم في القبضة بما لا يخفى مما يريدون به صيانة أنفسهم عن القتل معبرًا بالاستفهام تنبيهًا على أن حالهم مما يجازون به على هذا الاستحقاق له من البشاعة والقباحة والفظاعة ما يحق السؤال عنه لأجله فقال: {فكيف} أي حالهم {إذا توفتهم الملائكة} أي قبضت رسلنا وهم ملك الموت وأعوانه أرواحهم كاملة. فجازتها إلى دار الجزاء مقطوعة عن جميع أسبابهم وأنسابهم فلم ينفعهم تقاعدهم عن الجهاد في تأخير اجالهم. وصور حالهم وقت توفيهم فقال: {يضربون} أي يتابعون في حال التوفية ضربهم {وجوههم} التي هي أشرف جوارحهم التي جبنوا عن الحرب صيانة لها عن ضرب الكفار.
ولما كان حالهم في جبنه مقتضيًا لضرب الأقفاء. صوره بأشنع صوره فقال: {وأدبارهم} التي ضربها أدل ما يكون على هو ان المضروب وسفالته ثم تتصل بعد ذلك الامهم وعذابه وهو انهم إلى ما لا آخر له.
ولما كان كفران النعيم يوجب مع إحلال النعم إبطال ما تقدم من الخدم قال: {ذلك} أي الأمر العظيم الإهانة من فعل رسلنا بهم {بأنهم اتبعوا} أي عالجوا فطرهم الأولى في أن تبعوا عنادًا منهم {ما أسخط الله} أي الملك الأعظم وهو العمل بمعاصيه من موالاة أعدائه ومناواة أوليائه وغير ذلك.
ولما كان فعل ما يسخط قد يكون مع الغفلة عن أنه يسخط. بين أنهم ليسوا كذلك فقال تعالى: {وكرهوا} أي بالإشراك {رضوانه} بكراهتهم أعظم أسباب رضاه وهو الإيمان. فهم لما دونه بالقعود عن سائر الطاعات أكره. لأن ذلك ظاهر غاية الظهور في أنه مسخط ففاعله مع ذلك غير معذور في ترك النظر فيه {فأحبط} أي فلذلك تسبب عنه أنه أفسد {أعمالهم} الصالحة فأسقطها بحيث لم يبق لها وزن أصلًا لتضييع الأساس من مكارم الأخلاق من قرى الضيف والأخذ بيد الضعيف والصدقة والإعتاق وغير ذلك من وجوه الإرفاق.
ولما صور سبحانه ما أثرته خيانتهم بأقبح صوره. فبان به أنه ما حملهم على ما فعلوه إلا جهلهم وسفاهتهم. فأنتج إهانتهم بالتبكيت فقال عاطفًا على ما تقديره: أعلموا حين قالوا ما يسخطنا أنا نعلم سرهم ونجواهم. وإن قدرتنا محيطة بهم ليكونوا قد وطنوا أنفسهم على أنا نظهر للناس ما يكتمونه ونأخذهم أخذًا وبيلًا فيكونوا أجهل الجهلة: {أم} حسبوا لضعف عقولهم- بما أفهمه التعبير بالحسبان- هكذا كان الأصل. ولكنه عبر بما دل على الافة التي أدتهم إلى ذلك فقال تعالى: {حسب الذين في قلوبهم} التي إذا فسدت فسد جميع أجسادهم {مرض} أي افة لا طب لها حسبانًا هو في غاية الثبات بما دل عليه التأكيد في قوله سبحانه وتعالى: {أن لن يخرج الله} أي يبرز من هو محيط بصفات الكمال للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين رضوان الله عليهم على سبيل التجديد والاستمرار {أضغانهم} أي ميلهم وما يبطنونه في دواخل أكشاحهم من اعوجاجهم الدال على أحقادهم. وهي أنهم كاتمون عداوة في قلوبهم مصرون عليهم يترقبون الدوائر لأنتهاز فرصتها. ليس الأمر كما توهموا بل الله يفضحهم ويكشف تلبيسهم.
ولما علم من ذلك إحاطة علمه سبحانه وتعالى وشمو ل قدرته علم ما له سبحانه من باهر العظمة وقاهر العزة. فنقل الكلام إلى أسلوبها تنبيهًا على ذلك عاطفًا على ما تقديره: خابت ظنونهم وفالت اراؤهم فلنخرجن ما يبالغون في ستره حتى لا ندع منه شيئًا يريدون إخفاءه إلا كشفناه وأبديناه للناس وأوضحناه. فإنا نعلمهم ونعلم ذلك منهم من قبل أن نخلقهم. فلونشاء لفضحناهم حتى يعرفهم الناس أجمعون. فلا يخفى منهم أحد على أحد منهم فقال تعالى: {ولو} ويجوز أن تكون وأوللحال أي أم حسبوا ذلك والحال أنا لو {نشاء} أي وقعت منا مشيئة الأن أوقبله أوبعده.
ولما كانوا لشدة جهلهم لا يتصورون أن سرائرهم كلها معلومة مقدور على أن يعلمها بشر مثلهم. أكد قوله: {لأريناكهم} أي رؤية تامة كاشفة لك الغطاء عنهم {فلعرفتهم} أي فتعقبت رؤيتك إياهم معرفتك لهم أنت بخصوصك {بسيماهم} أي بسبب علاماتهم التي نجعلها عالية عليهم غالبة لهم في إظهار ضمائرهم عليها لا يقدرون على مدافعتها بوجه. ولم يذكرهم سبحانه بأسمائهم إبقاء على قرأباتهم المخلصين من الفتن.
ولما انقضى ما علق بالمشيئة مما كان ممكنًا له في الماضي وغيره. عطف عليه ما يجزه له مما كشف من أمرهم في المستقبل فقال مؤكدًا لاستبعاد من يستبعد ذلك منهم أو ممن شاركهم في مرض القلب من غيرهم فقال في جواب قسم محذوف دل عليه باللام: {ولتعرفنهم} أي بعد هذا الوقت معرفة تتجدد بحسب تجدد أقوالهم مستمرة باستمرار ضمائرهم الخبيثة وإسرارهم {في لحن القول} أي الصادر منهم. ولحنه فحواه أي معناه ومذهبه وما يدل عليه ويلوح به من مثله عن حقائقه إلى عواقبه وما يؤول إليه أمره مما يخفى على غيرك. وقال ابن برجان: هو ما تنحوا إليه بلسانك أي تميل إليه ليفطن لك صاحبك وتخفيه على من لم يكن له عهد بمرادك. وعلى القول بالتحقيق فلحن القول ما يبدومن غرض الكلام وخفيات الخطاب وسياق اللفظ وهيئة السحنة حال القول وإن لم يرد المتكلم أن يظهره ولكنه على الأغلب يغلبه حالًا. فلا يقدر على كل كتمه وإن كان في تكليمه معتمدًا على ذلك. وحقيقته حال يلوح عن السر وإظهار كلام الباطن يكاد يناقض كلام اللسان بحال خفية ومعان يقف عليها باطن التخاطب وقال:
ولقد لحنت لكم لكيما تفقهوا ** واللحن يعرفه ذو والألباب

وقال آخر:
عيناك قد دلتا عيناي منك على ** أشيئاء لولاهما ما كنت أدريها

وقال أبو حيان: كانوا اصطلحوا على الفاظ يخاطبون بها الرسول صلى الله عليه وسلم مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح. وقال الأصبهاني: وقيل للمخطىء: لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب: وقال البغوي: للحن وجهان: صواب وخطأ. فالفعل من الصواب لحن يلحن لحنًا فهو لحن- إذا فطن للشيء. والفعل من الخطأ لحن يلحن لحنًا فهو لاحن. والأصل فيه إزالة الكلام عن جهته. قال: فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه. وقال الثعلبي: وعن أنس- رضى الله عنه: ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين. كان يعرفهم بسيماهم. ولقد كنا في غزوة وفيها سبعة من المنافقين يشكرهم الناس فناموا ذات ليلة وأصبحوا على جبهة كل واحد منهم مكتوب هذا منافق ومثل ابن عباس- رضى الله عنهم - بقوله: ما لنا إن أطعنا من الثواب قال: ولا يقولون: ما لنا إن عصينا من العقاب.
ولما أخبر سبحانه أنه يعلم ظواهرهم وبواطنهم. وأنه يجليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم في صور ما يخفونه من أقوالهم. وأكد ذلك لعلمه بشكهم فيه. واجههم بالتبكيت زيادة في إهانتهم عامًا لغيرهم إعلامًا بأنه محيط بالكل فقال عاطفًا على ما تقديره: فالله يعلم أقولكم: {والله} أي مما له من صفات الكمال {يعلم أعمالكم} كلها الفعلية والقولية جليها وخفيها. علمًا ثابتًا غيبيًا وعلمًا راسخًا شهوديًا يتجدد بحسب تجددها مستمرًا باستمرار ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)}.
اعلم أنه لما قال الله تعالى: {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 26] قال فهب أنهم يسرون والله لا يظهره اليوم فكيف يبقى مخفيًا وقت وفاتهم. أونقول كأنه تعالى قال: {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} وهب أنهم يختارون القتال لما فيه الضراب والطعان. مع أنه مفيد على الوجهين جميعًا. إن غلبوا فالمال في الحال والثواب في المال. وإن غلبوا فالشهادة والسعادة. فكيف حالهم إذا ضرب وجوههم وأدبارهم. وعلى هذا فيه لطيفة. وهي أن القتال في الحال إن أقدم المبارزة فربما يهزم الخصم ويسلم وجهه وقفاه. وإن لم يهزمه فالضرب على وجهه إن صبر وثبت وإن لم يثبت وانهزم. فإن فات القرن فقد سلم وجهه وقفاه وإن لم يفته فالضرب على قفاه لا غير. ويوم الوفاة لا نصرة له ولا مفر. فوجهه وظهره مضروب مطعون. فكيف يحترز عن الأذى ويختار العذاب الأكبر.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)}.
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله وَكَرِهواْ رِضْوَانَهُ} وفيه لطيفة. وهي أن الله تعالى ذكر أمرين: ضرب الوجه. وضرب الأدبار. وذكر بعدهما أمرين آخرين: اتباع ما أسخط الله وكراهة رضوانه. فكأنه تعالى قابل الأمرين فقال: يضربون وجوههم حيث أقبلوا على سخط الله. فإن المتسع للشيء متوجه إليه. ويضربون أدبارهم لأنهم تولوا عما فيه رضا الله. فإن الكاره للشيء يتو لى عنه. وما أسخط الله يحتمل وجوهًا الأول: إنكار الرسول عليه الصلاة والسلام ورضوانه الإقرار به والإسلام الثاني: الكفر هو ما أسخط الله والإيمان يرضيه يدل عليه قوله تعالى: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنكُمْ ولا يرضى لِعِبَادِهِ الكفر وَإِن تَشْكُرُواْ يرضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] وقال تعالى: {إِنَّ الذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات أولئِكَ هُمْ خَيْرُ البرية} إلى أن قال: {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [البينة: 7. 8] الثالث: ما أسخط الله تسويل الشيطان. ورضوان الله التعويل على البرهان والقرآن. فإن قيل هم ما كانوا يكرهون رضوان الله. بل كانوا يقولون: إن ما نحن عليه فيه رضوان الله. ولا نطلب إلا رضاء الله. وكيف لا والمشركون بإشراكهم كانوا يقولون: إنا نطلب رضاء الله.
كما قالوا {لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] وقالوا {فَيَشْفَعُواْ لَنَا} [الأعراف: 53] فنقول معناه كرهوا ما فيه رضاء الله تعالى.
وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال: {مَا أَسْخَطَ الله} ولم يقل: ما أرضى الله وذلك لأن رحمة الله سابقة. فله رحمة ثابتة وهي منشأ الرضوان. وغضب الله متأخر فهو يكون على ذنب. فقال: {رِضْوَانَهُ} لأنه وصف ثابت لله سابق. ولم يقل سخط الله. بل {مَا أَسْخَطَ الله} إشارة إلى أن السخط ليس ثبوته كثبوت الرضوان. ولهذا المعنى قال في اللعان في حق المرأة {والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصادقين} [النور: 9] يقال: غضب الله مضافًا لأن لعانه قد سبق مظهر الزنا بقوله وأيمانه. وقبله لم يكن لله غضب. ورضوان الله أمر يكون منه الفعل. وغضب الله أمر يكون من فعله. ولنضرب له مثالًا: الكريم الذي رسخ الكرم في نفسه يحمله الكرم على الأفعال الحسنة. فإذا كثر من السيء الإساءة فغضبه لا لأمر يعود إليه. بل غضبه عليه يكون لإصلاح حالة. وزجرًا لأمثاله عن مثل فعاله. فيقال هو كان الكريم فكرمه لما فيه من الغريزة الحسنة. لكن فلانا أغضبه وظهر منه الغضب. فيجعل الغضب ظاهرًا من الفعل. والفعل الحسن ظاهرًا من الكرم. فالغضب في الكريم بعد فعل. والفعل منه بعد كرم. ومن هذا يعرف لطف قوله: {مَا أَسْخَطَ الله وَكَرِهواْ رِضْوَانَهُ}.
ثم قال تعالى: {فَأَحْبَطَ أعمالهم} حيث لم يطلبوا إرضاء الله. وإنما طلبوا إرضاء الشيطان والأصنام.
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم}.
هذا إشارة إلى المنافقين و{أَمْ} تستدعي جملة أخرى استفهامية إذا كانت للاستفهام. لأن كلمة {أَمْ} إذا كانت متصلة استفهامية تستدعي سبق جملة أخرى استفهامية. يقال أزيد في الدار أم عمرو. وإذا كانت منقطعة لا تستدعي ذلك. يقال إن هذا لزيد أم عمرو. وكما يقال بل عمرو. والمفسرون على أنها منقطعة. ويحتمل أن يقال إنها استفهامية. والسابق مفهو م من قوله تعالى: {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} فكأنه تعالى قال: أحسب الذين كفروا أن لن يعلم الله إسرارهم أم حسب المنافقون أن لن يظهرها والكل قاصر. وإنما يعلمها ويظهرها. ويؤيد هذا أن المتقطعة لا تكاد تقع في صدر الكلام فلا يقال ابتداء. بل جاء زيد. ولا أم جاء عمرو. والآخراج بمعنى الإظهار فإنه إبراز. والأضغان هي الحقود والأمراض. واحدها ضغن.
{ولو نشاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ولتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}.
ثم قال تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم ولتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول والله يَعْلَمُ أعمالكم}.
لما كان مفهو م قوله: {أَمْ حَسِبَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم} [محمد: 29] أن الله يظهر ضمائرهم ويبرز سرائرهم كأن قائلًا قال فلم لم يظهر فقال أخرناه لمحض المشيئة لا لخوف منهم. كما لا تفشى أسرار الأكابر خوفًا منهم {ولو نشاء لأريناكهم} أي لا مانع لنا والإراءة بمعنى التعريف. وقوله: {فلتعرفنهم} لزيادة فائدة. وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزمه المعرفة. يقال عرفته ولم يعرف وفهمته ولم يفهم فقال ههنا {فَلَعَرَفْتَهُم} يعني عرفناهم تعريفًا تعرفهم به. إشارة إلى قوة التعريف. واللام في قوله: {فَلَعَرَفْتَهُم} هي التي تقع في جزاء لوكما في قوله: {لأريناكهم} أدخلت على المعرفة إشارة إلى أن المعرفة كالمرتبة على المشيئة كأنه قال: ولو نشاء لعرفتهم. ليفهم أن المعرفة غير متأخرة عن التعريف فتفيد تأكيد التعريف. أي لونشاء لعرفناك تعريفًا معه المعرفة لا بعده. وأما اللام في قوله تعالى: {ولتَعْرِفَنَّهُمْ} جواب لقسم محذوف كأنه قال ولتعرفنهم والله. وقوله: {فِي لَحْنِ القول} فيه وجوه أحدها: في معنى القول وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد من القول قولهم أي لتعرفنهم في معنى قولهم حيث يقولون ما معناه النفاق كقولهم حين مجيء النصر إنا كنا معكم. وقولهم {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ} [المنافقون: 8] وقولهم {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] وغير ذلك. ويحتمل أن يكون المراد قول الله عزّ وجل أي لتعرفنهم في معنى قول الله تعالى حيث قال ما تعلم منه حال المنافقين كقوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون الذين ءَآمنوا بالله ورسولهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ} [النور: 62] وقوله: {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] إلى غير ذلك. وثانيها: في ميل القول عن الصواب حيث قالوا ما لم يعتقدوا. فأمالوا كلامهم حيث قالوا {نَشْهَدُ إِنَّكَ لرسول الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لرسولهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] وقالوا {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب: 13]. {ولقد كَانُواْ عاهدوا الله مِن قَبْلُ لاَ يُولونَ الأدبار} [الأحزاب: 15] إلى غير ذلك وثالثها: في لحن القول أي في الوجه الخفي من القول الذي يفهمه النبي عليه السلام ولا يفهمه غيره. وهذا يحتمل أمرين أيضًا والنبي عليه السلام كان يعرف المنافق ولم يكن يظهر أمره إلى أن أذن الله تعالى له في إظهار أمرهم ومنع من الصلاة على جنائزهم والقيام على قبورهم. وأما قوله: {بسيماهم} فالظاهر أن المراد أن الله تعالى لوشاء لجعل على وجوههم علامة أو يمسخهم كما قال تعالى: {ولو نشاء لمسخناهم} [ياس: 67] وروي أن جماعة منهم أصبحوا وعلى جباههم مكتوب هذا منافق. وقوله تعالى: {والله يَعْلَمُ أعمالكم} وعد للمؤمنين. وبيان لكون حالهم على خلاف حال المنافق. فإن المنافق كان له قول بلا عمل. والمؤمن كان له عمل ولا يقول به. وإنما قوله التسبيح ويدل عليه قوله تعالى: